وعود على هامش القلب:
إن الوعود ما هي إلا كلمات من ورق، تتناثر أحرفها كلما هبت الرياح، وتغيب في الآفاق نسيانا. يغدق المحب الوعود لهفة وأملا على قلب حبيبه، ثم يغيب تاركا كلماته تتلاشى مع أول مشكلة تعيقه، هاربا من قسوة الزمان، جائرا على قلب محبوبه.
إن كانت هذه الشابة تعلم ان حبه سينتهي، لما وثقت به، وان كانت تعلم ان وعوده ما هي الا هوامش، لما غامرت بقلبها في معركة حب ضائع، فرغم كل العذاب الذي عاشته، لم تستطع أن تبتعد عنه، او تفارقه، بيد أن قرار الرحيل كان سهلا عليه، وكأنه لم يحبها، وكأنه ينتظر فرصة للرحيل، انسيَ كلماته؟ أنسيَ حبها له؟ أم تناسى ما اقدمت عليه لأجله؟
ان قلبها ما زال ينتظر عودته، انها متيقنة من ان الحب سيعيده إليها، فان رحيله بهذه القسوة يعني انه لم يحبها كما كان يدعي، فكيف تصدق ان حبه كان زائفا؟
لم يرد على سؤالها وكأنه يريد النسيان، او كأنه وجد البديل، أحقا رحل؟ تتساءل غير مقتنعة بفراقه، باكية جراحها والأسى في عينيها، لا ترى سوى عينيه، ولا تسمع سوى اصداء كلماته، تذكره في كل لحظة، و الالم ظاهر على وجهها، وقلبها يُخْفِق في خفقانه وكأنه قد هرم من شدة الحزن، أو كأن اعواما مرت في ساعات، فشابت البسمة. لم لم يُجب؟ لم لم يعود؟ كيف استطاع فراقها؟
ان كانت حجته التعب من الظروف المحيطة بهما، فتعبها اكبر و رغم ذلك لم ترحل. لم يستطع تحمل القليل لأجلها، ولكنه استطاع ان يقول كلمات ووعود ثم يعود عنها! أحب هذا؟ ها هي تحاول ان تمضي من جديد وحيدة شريدة. إن روحها تتألم من هول العذاب، تبكي بحرقة ويدها على قلبها، تحاول ان تصرخ، وان ترسل معاناتها اليه، ولكنها تعلم انه لا يريد سماعها. مسكينة هي، لطالما قست عليها الاقدار، وقد ظنت ان وجودها معه قد يكون الملاذ الآمن من ملمّات الدهر، ولكنه كالدهر غير منصف، ذهب بقسوة وقضى على ما تبقى منها من مشاعر هشة مرهفة، ذهب ولم يلتفت إلى قلبها الذي بات ضحية وعود كاذبة. لم تتوقع تلك الشابة ان تكون النهاية بهذه السهولة، فيا ليت النهاية تتبدل ويا ليت اشواقه تعيده الى دربها، ليعود الحب.
ان الحيرة تزداد، فهي لم تعد تعلم إن كان قد أحبها حقا، تركها وفي قلبها الف سؤال وسؤال، وقد هان عليه دمعها، وبدت راحته في فراقها، إن شعورا في نفسها يؤكد أن قراره اخير، وبأن وعوده لها بالبقاء كانت كسهام غدر طالت روحها؛ فبعد محاولاتها للهرب من بأس الايام و جشع الزمان، حلّت سهامه على قلبها و قضت على بقايا روحها وقتلت اجمل ما فيها، مشاعرها. مشاعرها التي كانت تخاف عليها، ولم تكن تملك سواها، فتلك المشاعر كانت تحيي قلبها وتنير عتمته، ولكنه ما لبث ان جعلها تلفظ انفاس فؤادها الاخيرة. متعبة هي، وكأن ايامها اصبحت معدودة، تحاول الثبات، تحاول ان تخفي ما في قلبها، ولكن أثر الدموع باق في عينيها. قد تخلى عنها وهو يعلم أنه حبيب روحها، و أنها لا تقوى على فراقه، هو يعلم ان فراقه فيه مشقةٌ كبيرة لها، و رغم ذلك لم يرأف بحالها، وتركها متعبة متألمة، تارة تحاول ان تكتب اليه متوسلة فرصة لحبها الضائع، وتارة تقرر ان تثبت على قراره، و رغم ظلم قراره الا ان التوسل إليه قد لا يعيد ما مضى ولكنه بالتأكيد سيسلب ما هو اغلى من مشاعرها، سيسلب كرامتها، فالفراق بكرامة محفوظة أهون من البقاء كالجثة بلا كرامة أو كبرياء يذكر. ولو ان اللوعة محرقة، ولو ان نار العذاب تشتدّ بين اوتار قلبها، الا ان الثبات على قراره سيكون المطاف الاخير لروحها الهائمة، طالما اراد ذلك...
تعليقات
إرسال تعليق