حب لا يبصر النور:
في كل يوم هناك حكاية تنتظرنا، و في كل صباح فرصة لنكون ابطال الحكاية، أمّا انا سأروي لكم حكاية شابة مرهفة تعيش بيننا، حكاية لم يُكتب لها نهاية، و قصة تروي لوعة عشقٍ يلوح في الأفق بلا مرسى أو أمل، قصة بدأت بفاجعة وقد هرع الجميع للاطمئنان على أحبّائهم وكانت هذه الشابة، مترددة بالسؤال عن شخص تربطها فيه قرابة سطحية، فلا لقاء جمع بينهما منذ اكثر من عقدين من الزمن حتى انها تكاد تذكر انه لها قريب...
ومع تكرار التفكير في السؤال عنه اتخذت القرار، وارسلت اليه رسالة تهنئة بسلامته، وتسأل فيها عن احواله، وكأن تلك الحادثة كانت سببا لولادة عشق منفرد ليس مثله عشق، فرد عليها وكأن بينهما سنينا من الاحاديث الطويلة، وطال الكلام بينهما، حتى أصبح واقعا يأخذهما مع كل يوم ومع كل صباح ومساء، فاغتنمت القلوب الفرصة و دق الحب اوتار الهيام وبدأ يهمس في الروح عشقا غريبا.
أحب الطرفين بعضهما سهوا، فحاولا الهروب من هذا الحب لاسباب غامضة، ولكن من الغريب ان يهرب الشخص من شيء كامن في اعماقه، وكيف يهرب المرء من روحه؟ روحه التي تعيش في الوجدان، روحا تلاحقه اينما ذهب، روحا كأنها الروح...
وبعد اليأس من محاولات الفرار المتكررة تشجّع الحبيب والقى بكلمات الحب ولكن تلك الشابة لم تيأس من اخفاء هذا العشق والهرب منه. لم تعترف بحبها له ولكنها كانت دائما تردد كلمات الشوق واللوعة التي تعيشها في غيابه. وبعد هذا الرفض اصبح الكلام بينهما قليل خيّم الغياب عليهما اكثر من مرة، و مع كل محاولة للهروب والابتعاد ظل الشوق يجول في ارجاء قلبيهما، وفي عمق الروح، يذكرهما بما غاب عنهما من عشق ما زال في الافق ينتظر، حاول الطرفين التمسك ببعضهما والتمسك بالحب الذي اخذ يكبر دون امل او لقاء، فإن شيئا كبيرا يحول بينهما ويمنعهما من اكمال الطريق يدا بيد، ومرت الايام ولكل منهما في قلب الاخر مكانا عزيزا لا تبدله الظروف ولا البعد ولا يمنعه الهروب.
وفي يوم يملؤه الشوق أُتُّخِذ القرار بالوصل والحب وعاش الحبيبين حلما جميلا وعشقا متيما، عاشا اياما معدودة لكن ليس مثلها ايام، فكلمة الحب منهما كانت مختلفة تحمل مشاعرا جياشة واحاسيسا كالموج المتدفق ، تتدفق في الروح والقلب الحائر، وكلمات تحمل معان جديدة وشعورا مرهفا عميقا كعمق البحر. ولكن اسبابا مبهمة كثيرة وظروفا صعبة كانت تفصل بينهما في كل مرة، ومن جديد افترق الحب. باتت الشابة ترسل رسائلا من العدم، رسائل الروح للروح، والقلب للقلب، رسائلا من الشوق والحب والجوى، والمفاجأة انه استلم رسائل رسائل الروح فقد شعر بها، يبدو ان العشق بين هذين الحبيبين جعل منه حبا نادرا واملا ضائعا، فبرغم من تعدد الأسباب وعدم القدرة على المشي سويا في طريق الحياة والحب الا ان العشق الذي في اعماق الفؤاد كان أكبر بكثير من ان يصبح في طي النسيان.
انها قصة قلبين يناشدان بعضهما تارة ويغيبان مجبران تارة، قصة لم يكتب لها أن تبصر النور ولا أن تطوى في كتب الذكريات، قصة كتبت بأقسى انواع الهجر والأسى، فالبعد مجبرا يجعل في القلب لوعة مُحرقة. كلاهما يعيش الحب يوما بيوم، كلاهما يعيش الحب بروحه، فهل حقا ان البعد يزيد الحب حبا؟ ام ان هذا الحب كبيرٌ، فلا البعد ولا القرب يبدله؟
حب غريب يعيش في اسوار من الأسباب والاحتمالات التي تمنعه من الاستمرار، فكيف لمثل هذا الحب ان يموت؟ وكيف لشخص أن يحب دون لقاء أو أمل؟ هل هذا حب أم أنه ابتلاء أو عذاب؟ أما من راحة لهذا العشق الذي يهيم في الافق؟
تعيش هذه الشابة حياتها كأنها مجبورة على العيش وكأن قلبها توقف عن الخفقان منذ زمن، وكأن لا وجود للحب الا به، فهي تعيش مسلوبة الحيلة ضعيفة، تخاف غيابه وتخاف وصله، وكأن العذاب كُتب على قلبها وكأن الشوق لا يضج سوى في جوارحها وكأن العشق نسي الخلق وهام في جنباتها حزنا. لا تستطيع العيش بدونه ولا هي قادرة على تغيير واقع اليم ولا يمكنها ان تعيش هذا الحب ككل المحبين، تنام كثيرا لتحلم به وتلقاه لتشد على يده وتستحلفه بالبقاء على حبها، وتستيقظ اسيرة لأحلامها والدموع في عينيها باكية حبا لا تنساه. وجهها الشاحب وصوتها المرتجف خير دليل على ألامها التي تتصاعد كالنار المشتعلة في ارجاء القلب الملهوف لحبه، ماذا بعد ايها الحب؟ ماذا ينتظرها من الالم؟ هل لهذا العشق مصير او نهاية قريبة؟ ام انه باقٍ يتلف ما تبقى من الروح؟
تعليقات
إرسال تعليق