التسامح:
التسامح، كلمة تتردد على مسامعنا باستمرار، إلا أن أحدا لا يتخطّى زلّات الآخر، هكذا نعيش في مجتمعنا، كلام بلا أفعال، واحقادٍ متراكمة، وقصص من الماضي طوى عليها الزمان كتابه، بيد أنها تعيش في ذاكرةٍ بغضاء، تأبى النسيان. وبالرغم من أن التسامح هو الطريق الأمثل لراحة البال، والتصالح مع الذات، الّا أن أحدا لا يختاره طريقا له، بل وقد ينسى أوامر الله لنا بالستر، فيقوم بالحديث عن كل هفوة حدثت أمامه او سمع عنها، فلا يختار التسامح، ولا يفكر بالسبب الذي دفع هذا الشخص المخطئ للغلط، فيقدم على هتك أسراره، واطلاق لسانه على كل فعل او حدث مر به هذا الشخص؛ ولكن مهما كبر الخطأ فإن النوايا وبساطة التفكير، قد تحول بتوجيه أصابع الاتهام نحو المخطئ، فليس كل مخطئ بظالم، ربما قد رمته الأقدار غفلة ولم يكن ينوي سوءا بأحد، ولكن من يصدّق انه نادم، او انه غير قاصد، أو ان بساطة التفكير أخذته الى عالم الزلات الذي يعيش أسيرا للأحقاد.
بين التوبة والمغفرة:
كثيرا ما نسمع عن اناس، كان لهم من الهفوات نصيب كبير، الا ان ثقتهم بمغفرة الله وستره، وفضله العظيم، حثتهم على التوبة والبدء من جديد، فنرى بعضهم قد عدلو عن طريق الشر، ومشوا في طريق الخير، وأصبحوا من المأثرين والناصحين، ويفرضون على الناس ان ينسوا أخطائهم؛ و آخرين يحاولون مرارا ان يبدأوا حياة خالية من الأخطاء، ولكن احدا لا يمدهم بفرصة النجاة، وتبقى هفواتهم تعيش في الذكريات، لا يتخطاها الناس، ولا يُصفح عنهم، فيعيشون في عذاب مرير.
كل منا غارق في الذنوب والزلات، الا أننا نتناسى هذه الزلات، ونحدّث الاخرين بما فعله غيرنا، ونحاول اقناع أنفسنا ومن حولنا بأننا ملائكة بلا أخطاء، او أن لا مثيل لنا، إلا ان الحقيقة غير ذلك تماما. فربما من اخطأ ثم تاب، بات في قلبه من اللين والسمح والتسامح ما لا تجده في قلب من ادعى انه معصوم او انه لم يخطئ قط، وربما هذا المخطئ قد عرف ما يسمى بعذاب الضمير الموجع، فلا يعود لذلك الخطأ، وقد يفكر مليا قبل الاقدام على جرح احدهم مرة ثانية. وعلى الجانب الآخر، قد تجد من ادعى الاستقامة الملائكية، يعيش على القسوة والأحقاد، والكلام الجارح، والنتيجة ان أفعاله تَمحي حسن استقامته مع البشر، فيكون الاول، المخطئ التائب، خير من مستقيم بلا رحمة في قلبه.
فرصة ثانية:
وفي النهاية، إن من تاب من الذنب كمن لا ذنب له، هذا في شرع الله؛ أما عن شرع البشر، فإن الهفوة الحقيقية أصبحت ان تقوم بالاعتراف بذنبك، حتى ولو بنية طلب السماح او التوبة، فإن الناس لا تغفر ابدا، ولكن الله غفور رحيم، لذا فلا تذل نفسك للبشر، واطلب السماح من الله، وحاول اصلاح ذاتك، واترك لله أن يرسم لك طريق النجاة من عذاب هفواتك، فإن الله اكرم من ان يردك إن مددت يديك لطلب الصفح، فلا تتردد، مهما بلغت من الذنوب، دائما هناك فرصة جديدة، فلا يعرف ضعف نفوسنا الا من خلقها، ولا يعرف صدق نوايانا سوى الله؛ لذا لا تدع احكام الناس تخبرك من أنت، ولا تخف من أخطائك، ولا تهرب من نفسك، واجه كل ما مررت به، وتصالح مع نفسك، بل واجعل هذه الاخطاء سببا للتقدم، و درسا لك في الحياة، وابدأ حياتك من جديد، وحاول التغاضي عن زلات غيرك، والاعراض عن ما هو خطأ، والعدول عن ما هو غير صائب، فنحن من البشر، ودائما ما يكون لنا اخطاء مقصودة او غير مقصودة، ودائما ما نستحق فرصا جديدة، ودائما ما علينا ان نهب السماح والصفح للآخرين.
تعليقات
إرسال تعليق