للفلك رأيٌ آخر:
و في حين انشغال القبطان بعمله، و انهماك زوجها باللامبالاة، كانت هي وحيدة تشعر بالملل الشديد، ففتحت تطبيقا في هاتفها لمعرفة آخر تطورات الفلك، فإذ بشيء يدعى قراءة التاروت يشدّها، لسماعه، وهي قراءة جديدة على مسامعها، لطالما شاهدت مثلها في الافلام وقرات عنها في القصص، فاقبلت على مشاهدة تاروت برجها الفلكي بدافع التسلية، ولكن ما شاهدت كان غريبا، واما ما سمعت فكان لا يصدق ابدا، فأخذت تطّلع وتطّلع اكثر، وكأن التاروت يقرأ افكارها، ويعرف ما يجول في خاطرها، وما يدور في يومها، فكل ما كان يقال عن ما يمر به برجها الفلكي في هذه الاثناء كان عبارة عن:
"برجك هذه الفترة غريب جدا، مشاعرك متضاربة متناقضة، تارة تريد البقاء وتارة تريد الهروب، تعمل جاهدا لحفظ كرامتك، طيبتك الزائدة هي مصدر تعاستك. احذر من شريكك فهو يخفي امرا، كما إني ارى غيابا قصير الامد، يبدو انه هذا الشريك يخوض تجربة جديدة، بينكما مسافة طويلة، وفارق في العمر والمستوى المادي، يبدو انه يقارنك باحد اخر، ارى خيانته لك، وارى ندمه الشديد على ما فعل، لا تقلق ستكون انت خياره الاخير، فليس لك مثيل في قلبه.
اما انت فتعيش علاقة ثلاثية ايضا، او يجب القول انها علاقة سامّة مؤذية، غير مرضية، الشريك يحبك ولكنه استنزف طاقتك، علاقتك به فيها الكثير من الانفصالات والغموض، غير ان طاقة هائلة كبيرة، اقوى من ارداتكما، كانت تعديكما في كل مرة الى درب العشق، حبّ كبير غير مشروط، قائم على التخاطر الروحاني، يفهم ويشعر الواحد منكما بالاخر دون الحديث الى بعضكما. تحبان بشغف، متمسكان بهذا الحب، ويبدو انكما توأما شعلة كونية، وهذا امر نادر الحصول، هناك انفصال قريب، وخيبة امل، وعناد كبير، وفي نهاية المطاف هناك عودة لهذا الشريك ولكنها عودة قد ترسم وجهة جديدة، عودة للأبد فكلاكما قد تعب من لعبة القط والفأر."
هنا، وبعد كل هذا الكلام كانت الصدمة، وكأن الزمن توقف، الكثير من الكلام كان واقعا، فقد غابت رسائله منذ سفره، وكأن رحلته لم تكن بهدف العمل كما يدّعي، حاولت العدول عن ان رحلته هذه قد باتت مريبة، ولكن الشك دخل الى قلبها من جديد، وبدأت تتضح الصورة امامها، و تساءلت: "الا ينتهي العمل في نهاية اليوم؟ ام ان احدا يلازمه طوال الوقت، فلا يستطيع ان يهاتفني؟" والسؤال الذي يطرح نفسه في ذهنها هو: "احقا يخفي امرا؟ احقا يخون حبي بعد كل ما مررت به لأجله؟ افي النهاية يقارنني بحب آخر؟ ايعقل ان يكون التاروت حقيقة؟".
فكرت كثيرا وبكت كثيرا، وذرفت الدموع، ليس بسبب طالع سخيف، بل بسبب حيرتها وخوفها من مستقبل بات مبهما من جديد، و عدم الرد على مكالماتها، فلا ترى عذرا لغيابه، فرسالةٌ قد لا تأخذ منه نصف دقيقة، فلا عذر لغائب في زمننا. تقف في منتصف الطريق لا تعرف بداية ولا تدرك نهاية، قلبها مليء به، و روحها هائمة حوله، وفكرها مشغول لحد الجنون، ولكنه غير مدرك لما تعيش، او ربما غير مكترث، ولكن مهما كان عذره، كيف تسامحه على كل ما شعرت به من قسوة و وحدة؟ كيف تغفر له ان خانها حقا؟ لقد امتلأ قلبها بالخيبة من جديد، تودّ لو تعود ادراجها من حيث بدأت، علّها لا تلقاه، او تحبه، علّها تحتفظ بشيء من كرامتها، و من روحها التي استهلكتها لحد الهوس بهذا الشخص المتناقض الصعب.
حلمت معه ببداية جديدة، وثقت به اشدّ الثقة، اهدته اسمى مشاعر الحب، نسيت العالم باسره وجعلت منه حياة لها، ولكن يبدو انه لا يستحق، او ربما لا يقدر هذا العشق، او يظن بها سذاجة و سهولة الخداع، وكأنه يحاول ان يستغل طيبتها، و ثقتها، حتى كاد يقضي على براءة احاسيسها. كل هذه الافكار ما هي حتى الان سوى تكهنات غير واقعية، اما الآن عليها ان تدع التفكير جانبا، وتبحث عن الحقيقة، وتسعى الى بر الامان، عسى ان تلملم جراحها، و عسى ان تلقى امانا بعد كل ما جرى.
تعليقات
إرسال تعليق