العزلة:
العزلة هي ان يختلي الشخص بنفسه، ويعيش حالة من الانطواء والوحدة، أما أسباب هذه العزلة متعددة، فقد تكون العزلة هدفها تصفية الذهن وراحة البال، وأخرى قد تكون بهدف الاختباء من شيء ما، كما انها قد تكون فترة للتفكير ولكنها بلا جدوى، أما عزلتي التي أدخل فيها بشكل متكرر اصبحت أسلوب حياة اعتدت عليه؛ فحالي متقلب غير مستقر، و في كل شهر عزلة يجب ان امر بها واعيش تفاصيلها بلا مشاعر وبلا حيلة، وكأنني افقد لذة الحياة، فأكاد أخسر من أحب، واكاد أُحزن من يحبني. أدخل في دوامة من الهدوء بلا حراك او كلمات، وبلا سبب واضح، فقط اريد حماية نفسي من مجهول قد يصيبني او من شعور جارح مررت به، أو من أحد قد يحاول المساس بكرامتي ، فأهرع مسرعةً لعزلتي واختبئ لاستجماع قوّتي، وكأنني احاول أخذ أنفاس لأعود للحياة بهمة أعلى.
تأثير العزلة في نفسي:
انظر حولي بذهن خال من الأفكار، لا طاقة لي للكلام، لا افهم ماذا اريد، ولا أستطيع تفسير ما اشعر به، غير مبالية بشيء، لا شيء سوى الهدوء الذي يحيط بي من كل جانب والرغبة الملّحة بالابتعاد. لا ادري ان كانت فرصةً احتاجها لأرتاح من تراكماتٍ مضت، ام انه اسلوب اعتدت عليه لتجنب الاذى في نفسي. ولكن الشيء المؤكد الوحيد أن محاولة التأثير عليّ للخروج من انطوائي المبهم قد تجعل الموقف اصعب، وقد تجعل مدة عزلتي اطول، فأخفق في التروي واكون سببا في انهاء الكثير من العلاقات، وقد لا اشعر بالندم عليها بعد العودة للحياة. احترام عزلتي و فهم تقلباتي وافساح المجال امامي لأرتاح هو كل ما اريدُ حين الجأ الى الوحدة المؤقتة؛ فأنا لا احتاج لاحدا غيري اثناء الجلوس مع نفسي.
العزلة مصدر قوة:
ان الاختباء واستجماع القوى ليست أمرا معيبا، كلنا بحاجة للحديث مع انفسنا، وفهم ما يجول في اذهاننا. هذا الأسلوب الذي اعتدت عيشه يحمي قلبي من ملمّات الزمان، فإن الجلوس وحيدة والشرود يساعدني على رؤية الامور بشكل اوضح وفهم ما يجول حولي. فلا تحمّل نفسك ما لا طاقة لها وان شعرت بحاجتك الى نفسك، الجأ للوحدة المؤقتة، ولا داعي للتكبّر على الذات، فلكل نفس قدرة تحمّل مختلفة عن الاخرى. وبعد عودتك من هذه العزلة ستشعر بحمل ثقيل قد زال عنك، وكأنك خال الذهن، سليم الفكر، هانئ البال. هذا الانطواء يخلق منك انسانا قويا، فرجوعك للحياة بعد أخذ قسط من الراحة وفهم ذاتك وتقلباتك يجعل منك إنسانا واثقا.
ان الانعزال والسكوت وعدم البوح بما يجول بخاطري له الكثير من الايجابيات، كأخذ الوقت الكافي لفهم الناس من حولي، ومعرفة من يريدني معه ومن جدير بي، فمن لا يحتمل عزلتي ويبتعد عني في اشد حاجتي اليه، يجعلني ادرك انه لا يستحقني. عزلتي لا تعني ان تتخلى عني؛ هي مجرد انطواءات متكررة اهرب اليها قساوة الحياة، ألجأ الى الوحدة حين اريد اتخاذ القرارات المهمّة، وانتظر مِن مَن حولي ان يكونوا صابرين متفهمين لأبعد الحدود، كي اعرف مدى حبهم واخلاصهم لي وقدرتهم على الاحتفاظ بي، مما يساعدني على اتخاذ قراري بالبقاء او الرحيل، فكم من علاقة انتهت بسبب عدم احترام مساحة غيرنا وطرق تعبيرهم عن مشاعرهم، او بسبب عدم تقبل تقلباتهم. لكل منا طريقة لعيش تقلباته، واسلوب خاص في حماية مشاعره من التلف، واني ارى العزلة المؤقتة اسلوب انيق للتخلص من اذى موجعٍ في النفس، بدل من ان أجلس بين الناس شاكيا مذلولا علّي ارتاح من ما يؤلم نفسي، فرغم قساوة السكوت والكتمان الا انه يريح نفسك ويعيدك قويا غير معترفٍ بنقاط ضعفك ومناطق ألمك، فتحفظ نفسك من اذى مضاعفا. السكوت المبهم خيرٌ من اظهار عجزك وقلة حيلتك، فخذها نصيحة ولا تبوح بنقاط ضعفك والجأ للعزلة المؤقتة وتحدث مع نفسك، في كل مرة تحتاج فيها للحديث.