حجرٌ إسمه القمر:
ٌ ارتبكت حواسها، وخانتها البسمة، وتلعثم الكلام على اطراف شفاهها.. تنظر اليه وكأنه حلم بعيد، رغم قربه الشديد الا انها ما زالت غير مصدقة. دخل الى منزلها، ثم اغلق الباب، وقال بصوت خافت وهو ينظر الى عينيها: " كم كنت مشتاقٌ للقياك، يا جميلة العينين" فازداد الارباك، ولاح الخجل بين الخدود احمرارا، أمسك بيدها وهو ينظر الى عينيها، وصوت نبضاته تتعالى وتتفاوت، ثم همّ بعناقها، وغمرها بعشقٍ يفوق العشق عشقا، وأشواقٍ تفيض من بين ذراعيه حبا. تنفست الصعداء، و كأن قربه قد اعطاها الحياة، أو كأن وجوده هو الحياة، فأغمضت عينيها لتستنشق عطره، وغمرته بشوق كبيرٍ، بيدين مترجفين، و بأنفاس متقطعه، فأخذ العناق يشتد، حتى تمنت ان يقف الزمان، لتتنفس عطره للأبد..
نظر اليها وأمعن النظر، وكأنه يريد حفظ ملامحها، ثم قال" أحبك جدا" فابتسمت خجلا، و أخذت بيده الى القمر، رفيقها، ليتسامرا في سناه. جلسا في صمت مربك، وقد بدا عليها الخجل المفرط، فقال لها محدقا بها، مُقدماً على لمس خديها بحنان مفرط:
-كفى خجلا! فأنا توأم روحك، وقد انتظرت لقاءك والحديث اليك طويلا، و تمنيت النظر الى عينيك الساحرتين، و وددت ان أبقى معك للأبد.. فحقا لا داعي للخجل..
-هل حقا تريد البقاء معي؟
-لآخر نفس..
ثم ادخل يده في جيبه، و أخرج منه حجرا أخّاذا يلمع جمالاً، حجرا شفّافا يعكس ألوان القمر، و يتلألأُ سحراً بلونٍ ازرقٍ خافتٍ، حجرا برّاقا ذو وميضٍ يتبع الضوء، حجرا إسمه القمر، ثم وضعه في يدها، و قال: "فليبقى القمر البديع والبحر الأزرق رسولا عشقٍ، يمنّان علينا بوصل قلبينا في كل مرة تخوننا بها الكلمات والمواقف، وليبقى القمر في عينيكِ منيرٌ"... ومرّ الوقت سريعا، وآن اوان الرحيل، فوقف امام الباب، ينظرها بنظرات تعانق روحها، ويودعها بأشواق تشتاقها وهي قريبةٌ منه، ثم رحل عنها مُكرها للرحيل. أغلقت الباب خلفه ببطءٍ، على امل ان يعود قبل ان تقفله.. ثم وبعد ان تأكدت من انه لن يعود، دخلت غرفتها وجلست امام مرآتها، تارة تعيد كلماته في ذهنها، و تارة تنظر الى القمر في يدها، وتضمه الى قلبها..
في صباح اليوم التالي استيقظت من نوم عميق وأحلام كثيرة وردية، ولكنها لم تجد اي رسالة منه، فقد عهدت ان تجد رسالة منه، في كل صباح يغمره العشق والرضا، فعادت الأفكار تأخذها في دوامة من الحيرة، "لم هذه التصرفات؟! لم تغيب عني باستمرار؟ لم تشعرتي ان وجودي في حياتك أو رحيلي عنك، لا يؤثران فيك؟ فرغم حبك الكبير اشواقك الفائضة التي تبديها لي، الا انني ما زلت أشعر بأن شيئا مريبا يجول بيننا"... كتبت هذه الكلمات، ولم ترسلها كعادتها، ليس خوفا من ردات فعلت الحادة، بل حفظا لمشاعرها الهشة التي تألمت بما يكفي، من حب غير مشروط، لا يبصر النور…
غاب، وغاب معه صفو العيش، وغابت معه راحة البال، انه عشق كبير وأمل ضائع، ورياح عاتية تهب من جديد، فقد حذرته من فراق أخير إن عاد لغياباته المتكررة، دون سبب مقنع، فعسى سببا لهذا السكوت المبهم، وعسى ان لا يكون لهذه القصة نهاية، وعسى ان يخبرها بما يشغله، فهل سبب تبدل أحواله هو طبعة المتناقض الغامض؟ ام ان شيئا لا يبوح به جعله يغيب احيانا، ويعود احيانا اخرى؟ ام ان ما حال بينهما في البداية، عاد ليلوح بين العوائق، راسما طريقا مظلما؟ فهل يكون احساسها صادقا، ويكون لهذه القصة نهاية قبل بدايتها؟
ها هي تفكر بالاتصال به، ليس لسؤاله عن سبب غيابه، بل للحديث عن السبب الذي لطالما كان عائقا بنظرها، ولتفهم منه ماذا يريد منها، ولتعلم ما هي وجهته في بحر حبهما، تريد ان تسأله ان كان صادقا في مشاعره، ستحاول التغاضي عن كبريائها و ان تكون واضحة في كلامها، والتعبير عن استيائها الشديد منه، و من أفعاله، وغياباته الغامضة المبهمة.
تعليقات
إرسال تعليق