موعد مع الحقائق:
مشتاقة هي، وكم تود لو تتصل به، وتحدثه لساعات طويلة كما كان يفعل. مشتاقة هي، لعناقٍ يدوم عمراً، ولنظرةٍ تدوم ابدا. ان في غيابه فراغ كبير، وان في القلب لوعة، وان للشوق أنين عبث في قلبها إلى ان أخذها لبابه، لتلقاه وتتكلم معه، و لتسأله عن سبب غيابه، و لتعلم ما يدور في ذهنه، فهي تريد سماع الحقيقة، ومعرفة سبب غموضه المريب، و سكوته المفاجئ. وصلت للباب، واحتارت، هل عليها الدخول ام العودة من حيث أتت، فهي لم تخبره بمجيئها، ولا تعرف ان كان سيفرح بلقائها ام انه سيثور انفعالا كعادته، رفعت يدها للباب مترددة، وحاولت ان تطرقه مرات عدة، لكنها أخفقت، وقررت ان تذهب دون جواب على أسألتها العديدة، فإذا بها تسمع حديثا يدور بينه وبين شخصا آخرا، يبدو أنه نقاشٌ حادٌ، استطاعت ان تسمع القليل من حوارهما:
-أهذا ما كنت تطمح اليه؟
-صدقني لم أكن أريد أن أحبها، ولكنني أحببتها سهوا..
-أنسيت انها لا تصلح لك؟
-لم لا تصلح لي؟! سأفعل كل ما بوسعي لأبقى معها للأبد..
-لانكما على اختلاف تام، لها قناعات و مبادئ مختلفة تماما عن قناعاتك، ولأنك خدعتها.
-لم اخدعها!! لقد احببتها حقا!
-اذا إذهب إليها، وأخبرها بأن قصتكم بدأت بكذبة، وبأنك قد أحببتها سهوا..
اغمضت عينيها بحرقة، ففاضت الدموع، واشتد الشجن، وباتت بين الصدمات حائرةً، اتخبره بما سمعت؟ ام تختفي من حياته دون عتاب او كلمات؟ تحاول ان تكذب على نفسها، وان تحتفظ بصورة الحب الكبير الذي لن يتكرر، فرغم محاولاتها في تخطي اختلاف الانتماءات والقناعات، ورغم انها كانت تريد فعل المستحيل للبقاء معه، الا ان محاولاتها باءت بالفشل، وان هذا الحب الكبير الذي عاش في روحها قد ادخلها في موجة من الحزن الشديد، واليأس القاتل.
عادت لمنزلها مكسورة محطمة، متأرجحة بين الذكريات، تحاول فهم ما يحدث، او سبب خداعه لها، تريد معرفة الحقيقة، تريد معرفة ما هو الشيء الذي يخفيه عنها، تريد معرفة ان كان قد احبها حقا، غير انها لا تريد التحدث إليه، ولا سماع صوته العذب الرقيق، ولا النظر لعينيه الجميلتين. إن شيئا قد كسر بينهما، شيئا اغلى من الحب، شيئا اسمه الثقة، فكيف تصدق كلامه، بعد ان استطاع اخفاء الكثير عنها، وخداعها.
انها الساعة ١١:٢٠ م ، وإن القمر محاق، غير ظاهر، وكأن لغياب القمر دلالات في حياتها وقناعاتها، فبينما هي جالسة تحتسي قهوتها، وتعاتب القمر لغيابه عنها في أشد حاجتها اليه، فإذا برسالة منه، جاء فيها:
-يجب ان القاك في وقت قريب، فهناك من الكلام ما يجب ان تسمعيه، ولكن مهما كان ما سأقوله لك، تأكدي بأني أحبك، وسأحبك للأبد، وبأني لم أحب أحدا مثلك من قبل.
-اذا فليكن السبت القادم، اليوم الذي لطالما احببنا اللقاء فيه.
-اتفقنا!
كم هي سعيدة بموعده، وكم تشتاق ان تراه، وكم تود لو تلقاه سريعا لتعرف ماذا يريد ان يقول، ولكنها تعمدت تأجيل موعد اللقاء، كي تفكر جيدا ان كانت تريد سماعه، والعفو عنه ان خدعها، او تفكر ان كانت تريد ان تبدل رأيها وتمضي دون تبرير منه تجنبا لجرح قد يأخذ حيزا ابديا في قلبها، فأحيانا الجهل بالأمر، أفضل من العلم به، و أحيانا تكون الحقائق قاسية، فكفى قسوة على أرواحنا المتعبة الهائمة، وكفى تعذيبا لقلوبنا المحطمة. ورغم انها ضعيفة امام حبه، ورغم انها لا تريد ان تلقاه خوفا من الخضوع لعينيه، الا انها تريد مواجهته، واثبات له انها اقوى من كل ما يحاول المساس بكرامتها، حتى وان كان هذا الشيء هو حبها الوحيد، فعسى حبا لا يموت، وعسى حقيقة تُغتفر، وعسى في القلب غصة زائلة من حب يتساقط في فصل الخريف...
تعليقات
إرسال تعليق