ما هي الوحدة؟
الوحدة هي ان تكون بمفردك في معظم أوقاتك، وان تعيش سجين قضبان من اليأس، محطم الروح، لا تسمع سوى ضجيج افكارك، و لا تتكلم سوى مع ذاتك، تنظر للمرآة فلا تعرف نفسك، فقد استهلكت منك الوحدة طاقتك، فلم تعد تقوى على الابتسام، أصبح وجهك شاحبا، وقلبك متألمٌ كالح، جسدك متعبا باستمرار، متعبا من كثرة الوحدة والفراغ القاتل. كم تود لو تستطيع تحطيم قضبان وحدتك التي تضج بالصمت المظلم، ولكنك مدرك ان تحطيمك لتلك القضبان غير نافع، فمن جعلك أسيرا ولم يأبه لمعاناتك مرة، سيقوم بحجز حريتك مرارا و تشييد قضبان جديدة دون ان يكل او يمل.
ما نفع ايامك التي تمر وانت جالس تناشد املا خلف الغيوم؟ كيف للانسان ان يعيش وحيدا في عالمنا الكبير؟ تمر الايام وينقضي العمر وانت ما زلت بانتظار ان تتحرر من اسرك، لتجد ان شبابك يتلاشى، وانك بانتظار فرصة عيش لحظة خارج قضبان وحدتك، وحدتك التي فرضها عليك من حولك بصدد حجج تافهة، تعود لعقول جاهلة، فالوحدة والاسر لا يساهمان في الحفاظ على من تحب، بل يمكن لمن تحب ان يحفر انفاقا للهروب من قضبانك بصبر يفوق تفكيرك، فلا تتوهم ان نبذك شخصا من بين الناس، يكون تعبيرا عن السيطرة او التملك حبا، فإن حبك الجاهل يكتم اجمل لحظات شبابه، مما يخلق بداخله نقمة عليك، ويجعله اما تعيسا يعيش داخل دوامة من الكآبة، او ينسج حياة في الخيال بعيدة عنك، ويرسم مصيرا مختلفا عن المصير الذي يقتل روحه مع كل لحظة من لحظات العمر المأسورة.
الفراغ:
ان الفراغ الذي تعيشه روحك في الوحدة الكئيبة غير منصف، فترى من حكم عليك بالوحدة يعيش غير مكترث، سعيد بشبابه، يبني علاقات اجتماعية، يكره ان يمرّ امام ابواب الفراغ، بينما انت جالس تنتظر فرصة للخروج للحياة، كعصفور يريد ان يحلق في السماء وبين الغيوم، الا ان احدا قد قصّ جناحيه وبتر حريته. لماذا تفرض على غيرك ما لا تستطيع تحمله؟ اي حجة تلك التي تعطيك الحق ان تسلب أجمل ايام غيرك، بينما انت تعيش ايامك سعيدا؟ في اي زمن نعيش؟ الى متى سيبقى الجهل يقيّد عقول من حولنا ؟ ما الهدف من هذا التصرف؟
ان الخوف من ضياع العمر يسود القلب، الا انك احيانا تشعر انك مستسلم لما انت عليه، فتحاول التأقلم، ولكن الحياة تناديك بحق شبابك المهدور، وتعطيك فرصة للبدء من جديد، لذا يجب عليك ان تغتنم فرصة الخروج من هذا الفراغ المظلم الذي دخلته قسرا. ان الحياة لا تعطي الفرص للضعفاء، فكن ذو همّة للعيش، و ترقب فرصة تهديم قضبانك بصبر، وحين تلتمس فرصتك، فأسرع واركض نحوها، نحو النور، وابني لنفسك عالما تحيا فيه، عالما تعلو به فوق عقول الجهل، و لا تخف، وامشي خلف نور الحياة، فإن احدا لن يستطيع تعويض خسارتك إن ضاع العمر هباءا.
ان العمر لحظة، فإما ان تقرر عيشه كما تحب، او مت اسير فراغك، فإن الحياة بلا هدف تعمل به، او امل تسير في دربه، كسفينة تبحر بلا وجهة، تجد نفسك مبحرا في عالمك الخاص، لا تعرف سبيلا للعيش و لا تجد مرسىً لإراحة نفسك. تتلخص حياتك بالنهوض من سريرك وشرب قهوتك، ثم الجلوس امام نافذتك، تقرأ كتابا او تكتب قصة، او ترسم خيالا، ولكن ما الجدوى، من سيقرأ أحرفك المتعبة وخطك المرتجف؟ من سينظر لوحاتك الحزينة؟ ومن سيكترث لوجودك اكثر منك؟ لذا فاكتب لنفسك هدفا وحطّم قضبان الوحدة التي فُرضت عليك، و ابني لنفسك حياة جديدة غير مقتصرة على ذاتك الوحيدة، و اصنع لوجودك سببا، و ابني حياةً تضج بالحياة.
تعليقات
إرسال تعليق