على بعد اميال:
امعنت التفكير في كل ما جرى، و في كل الاحداث التي مرت عليهما، فتذكرت شيئا مهما، ففي يوم مولده قامت عائلته بالاحتفال به، و نشروا صورا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت من بينهم امراة حفظت اسمها وملامحها، وكان يبدو عليها انها زوجة احدهم، وام اطفاله، فسألته عما ان كان زوجته معهم، فقال "لا"، فأدركت ان استنتاجها صحيح و ان تلك التي في الصورة ما هي الا زوجة اخيه، وبعد ذلك طلبت منه صورة تجمعه بزوجته، او اي دليل يثبت انه متزوج فحاول ان يتهرب، و في النهاية ارسل اليها صورة لامرأة تحمل نفس ملامح تلك المراة التي تواجدت معهم في ذلك اليوم، ولكنها كانت تضع بعض مساحيق التجميل، فتغير شكلها قليلا، ثم ادّعى انها زوجته، فضحكت ساخرة، ولكنها لم تعلمه بمعرفتها بالحقيقة بعد، فيبدو انه يظن بها غباءا، او يبدو انه لا يعلم ان احساسها اقوى من اي كلام و اثباتات، و يبدو انه يحاول اثارة غيرتها او غضبها.
اتخذت قرارها بالذهاب اليه لتعرف الحقيقة كاملة، و بالفعل ذهبت، الى موقف الحافلات، و استقلت حافلة، و لم تفكر بما قد يحدث معها في حين اكتشف احد غيابها، ميال طويلة تفصل بينهما، ولكن كل ما تفكر به هو معرفة الحقيقة، و اخذت الحافلة تسرع، واخذ قلبها ينبض، و اخذت الافكار تراودها، وقالت في نفسها:" اصحيح ما افعل؟ اهو يثير غيرتي متعمدا؟ ام يريد استفزازي و جرح خاطري؟ ماذا يريد مني؟ يا ليتني لم اركب الحافلة، ياليتني اعود من حيث اتيت!" خوف عارم، و رجفة في الفؤاد خانقة، "ماذا فعلت بنفسي! ما الذي احاول ان اقدم عليه! كيف ستكون نهاية هذا العشق! لقد تعبت!" كلها كلمات كانت تدخل الى اعماق قلبها فتؤلمها، وكأنها تلوم نفسها وتلوم الحب، وتلوم الاقدار، تلك الاقدار القاسية التي رتبها الكون، و قست عليها لتكون في موضع لا يليق بما آمنت طوال حياتها.
اتصلت به وقالت له انها وصلت الى موقف الحافلات في المدينة التي يعيش فيها، فاصطحبها الى منزله، و ما لبثت ان نظرت اليه، حتى سكنت روحها، ونسيت ماذا أرادت أن تقول، وتلعثمت الكلمات على اطراف شفاهها، وغاب عن ذهنها العناق الذي لطالما حلمت به، وكل ما كانت تفكر به، هو عشقها الذي احضرها اليه، غير مقتنعة ان ما تعيشه واقعا و انها بالقرب منه، بعد كل هذا العناء، و بكل بساطة هي معه، تنظر اليه، تسمع اصوات انفاسه، و تتنفس عطره، فيسري في جوانبها شعورا بأنها ملك لتلك الروح، التي تتجسد على هيئة حبيبها، و كأنها عاشت غربة طويلة، ثم عادت لتسكن روحه حيث تنتمي هي. تلاشى القلق والتردد، و أحاط بقلبها الامان، كان ينظر اليها بحب غير مألوف، بعينين تنيران شوقا، كبدر في سماء مظلمة، ظل ينظر حتى ارتبكت حواسها، وتشتت فكرها، وخانها التعبير، فلم تقوى على ابداء ما في قلبها من عشق كبير.. لم يخيّل اليها انه حقا يكنّ لها من الأحاسيس أسماها، ولم تدرك ان للعيون قدرة على قول ما يعجز اللسان عن نطقه، ولم تعي يوما شعورا كذلك الذي جرى في عروقها بجواره.
اثنى عليها بمشاعر مفرطة، وهي لا تزال غير مصدقة انه اعجب ببساطتها او انه احبها كما هي، فكثيرا ما كانت تراه كنجمة تلمع في السماء, صعبة المنال. عاشت معه لحظات بمثابة حياة، ورغم انها خجولة بطبعها، الا انها لم تستغرب قربه، بل تمنت لو ان عقارب الساعة تتوقف، لتبقى الى جانبه، و تتخذ من أضلعه منزلا يخفق فيه قلبها للابد. اظهر لها من اللهفة و الشوق ما اظهر، ولكن شيئا واحدا كان يلوح في خاطرها، فباتت تقترب منه تارة ثم تخافه، فتبتعد تارة أخرى، فقد كان يلازمها خوف من ان يزول الحب بعد هذا اللقاء، او ان يزول الشغف من قلبه، فلا يحب ان يسكن اليها، ولا يحب حبها، فعسى ان لا تقول عينيه أوهاما، و عسى ان يلتمس لها اعذارا من تشتتها، وعلّه لا يظن بها سوءا من راحة بدت في قربه دون غيره.
👉رجوع - المزيد👈
تعليقات
إرسال تعليق