طاقات متوازنة:
التفتت للوراء، نحو الايام الخوالي، لايام التعب والارهاق، للانهيارات والشقاء، حيث ارتجفت يداها و شردت عيناها، التفتت و كأنها ترى ذاتها القديمة تتوسل الخلاص منها، نظرت الى الماضي و كأنها غريبة عنه، هي تلك الشابة التي جار عليها الزمان، فدمرها و داس على ما تبقى من روحها المعذبة ليحطمها و يعيد احيائها من جديد، ثم منّ عليها القدر بقوة تدفعها نحو ابواب من الخير و النقاء، تلك الابواب التي بدأت تتجلى امامها، و تنعم عليها بالصفو و الهناء، و تفتح آفاق من الوفرة و السعادة التي لم تعرفها قبلا.
تراها و قد بدلت هشاشة روحها و تعاستها ببسمة تزين وجنتيها، و قد تحول ضعفها ليصبح جبروتا من الثقة المفرطة و القوة الهائلة، و قد عدلت عن الانتظار و عادت للعمل كادحة لتغيير واقعها، بانتظار وعود قد استشعرت قدومها، وعود الكون لها بالوفرة و النعيم و العوض الجميل. تراها وقد باتت لا تعي للحب سبيلا، وكأنها أودعت المشاعر في قبر المعاناة و الحرقة التي عصفت بها، تراها تتغير، و قد اختلفت عليها ذاتها، فبعد ان كانت وحيدة حزينة مشتتة، باتت اجتماعية الى حد كبير، ترسل طاقات من حب و سلام للمحيطين، تشعر بجميع المخلوقات، تلامس روحها و تألفها.
تراها تذكر انها قد عافرت للخلاص من الايام الثقال و مخاوف خاطرها التعب، تذكر كم كانت بائسة كئيبة، تخوض معارك الروح بصلابة، و قد أنهكها الحزن واتلفها الحب، تذكر كم كانت مشتتة متوترة قلقة، غريبة الاطوار، خائفة غاضبة، و تراها شابة متّزنة قوية، تسعى للكمال، تسعى للتعافي بشكل كلي من علاقة استنزفتها حد الانهيار، تراها قد بدأت تلتمس التغييرات في شكلها و شخصيتها، و نظام حياة باتت تتّبعه، تراها مختلفة حد التفاوت، فقد نزعت عنها رداء الكآبة و اتخذت السعادة سبيلا، و عادت لتحطم جدران اليأس تشيد الامل منزلا، ثم سلخت عنها لباس القلق والحيرة، و بدلته سلاما و امانا.
تحول حالها، فباتت راضية بما آلت اليه ظروفها، و لا تخشى سوى يوم يعود فيه هاربها فيطاردها، تخاف من الحزن من الرجوع لحطامها، من الحديث عن رماد قلبها، و موت مشاعرها، تخشى الانصياع لقلبها، قلبها الذي يأبى ان يذكره، يأبى الحب و الشغف، يأبى الشوق واللهفة، حتى أضحت تحدث نفسها احاديثا مريبة، فتتسائل تارة و تتعجب اخرى: "هل الحب موجود حقا؟ هل ما يعيش الآخرين من مشاعر امر حقيقي؟ و هل احببته ذلك الشخص الذي اسميتها هاربي؟ هل اعرف معنى الحب؟ ما الحب؟ و اين مشاعري؟ لا أجد احاسيسا في قلبي! انني قوية حد اللا شعور، اللا انجذاب لأي شخص! أهذا امر جيد ام انه مخيف ، لقد فقدت الاحساس بقلبي!"
ما زالت ترى الارقام والعلامات، ولكنها تتمنى لو يخصها الكون برسالة تدفعها للامام، تساعدها على الاقدام على خطوات جديدة، تتمنى لو يخبرها الكون بأنها على المسار الصحيح، و ان موت مشاعرها لن يؤثر على وصولها لنهاية مرحلة التشافي.
تهيم في افكارها أسئلة كثيرة و كلام غريب، فتزيد في مذكراتها سطورها الاخيرة: "اراه يخطر ببالي كما السابق، اشعر بحبه لي، بشوقه لعيني، اسمع رسائل العدم، و انين فؤاده، و لكن روحي لم تعد تتلهف روحه، فتبني اسوارا في خاطرها، و تحاول منعه من عبورها، تحاول الهرب حتى من خياله، فلم تعد تهوى ان يذكرها، ولا ان يحلم بها، ولا ان يقابلها في الافاق، حيث ترتقي الارواح، فبت ارى ان الارواح بعد الارتقاء لا تلتقي، فإن إلتأمت الجراح و ان اتزنت الطاقات تكتمل النفوس حد المضي وحيدة دون التأثر بأي احداث، و دون الالتفات لأي وعود.
تعليقات
إرسال تعليق