وعاد الشتاء:
في اوائل شهر فبراير، عند منتصف الليل او في ساعات الفجر الاولى، ضرب زلزال عنيف تركيا، مما اثر على لبنان بهزة قويه، جعلت الناس في ريبة، أسكنت الرعب في قلوبهم خرجوا من مساكنهم صرخوا ونادوا في الطرقات: " ما الذي يحدث؟ اهذا زلزال؟؟". اما هي فاستيقظت على اثر اهتزاز المنزل، كل شيء يتمايل أمامها، فصرخت وقالت بهلع: " زلزال زلزال!!"، حملت ابنها النائم، و ركضت و جلست تبكي، وفي داخلها تسأل روحها ان كان تستطيع ان تطمئن على حبيبها الذي يسكن في مدينه اخرى، دينه قالوا انها تاثرت من وقع الزلزال او الهزة اكثر من المدينه التي تقطن فيها هي، فكانت المباني تهتز وكانت الأرض تتمايل والافكار كلها والروح مع حبيبها، يومان والهزات لم تنتهي الهزات تتكرر والرعب في القلوب قائم، والأفكار والروح تهيمان باحثتان عن ذلك الحبيب الغائب الهارب.
اقدمت على مراسلته اكثر من مرة و لكنها تراجعت، حين سمعت ان الزلزال ساعد في تطهير الكثير من الارواح وساهم في عودة الكثير من التوائم الى بعضهم البعض، فتأملت خيرا ان يعود، او ان يطمئن عليها، ولكنه لم يسأل عنها ولم يحاول حتى الاطمئنان ان كانت بخير ام. عز على نفسها الامر ولكنها حاولت ان لا تتاثر فهو وان طال الغياب والبعد يذكرها، و هؤ تشعر بذلك.
و بعد ايام قليلة، بعد ان هدأت النفوس، وقفت خلف النافذه تنظر للناس تمشي الطرقات التي لا لطالما مشتها، و قد غمر الشوق عينيها لهفه لوطء تلك الطرقات من جديد، لسيرها ساعات طوال، وقد حن الفؤاد لرؤيه تلك الشوارع عن قرب، وقفت تشتم رائحه المطر، الى ان غمرتها الذكريات، فعادت الى الطفوله، الى ايام الشباب، الى كل ما عاشت، وقفت تناشد النسمات البارده، وقطرات المطر العليله، تتامل الطقس، ويهيأ اليها انه باكي حالها حزين لما آلت اليه ظروفها، وكانه يقول لها:" كفاك عبثا بحياتك، كفاك حزنا على ما فاتك، كفاك الما، تحرري من تلك القضبان، ابعدي عنك رداء الاسيرة الحائره، وعودي الى ما كنت عليه، عودي الى ذاتك، او ابني لك ذاتا جديده، بلا احزان او اشواق، كفاك كفاك!!" .
وقفت تتامل المطر، و كأنه يشفي روحها و يطهرها، ويذكرها ان حلول فصل الشتاء المتأخر، يشبه تماما فهمها لما يجول حولها، فكم تكاسلت عن فهم حقائق طالما لاحت في افق الغدر كذبا و تلاعبا، حل الشتاء وجاء المطر يغسل وجوه الحاقدين المتامرين، وكم تأخرت لترى الوقائع كما هي، فلم يعد للكلام تأثير عليها، فالحقيقة أصبحت معلنة، حقيقية الاشخاص و نواياهم الخبيثة، و محبتهم المزيفة. حل الشتاء وهي تحاول ان تبني روحا جديدة، روحا لا يكسرها روح، ولا يؤثر بها موقف، نعم تأخرت للغايه حد الغباء في معرفة مدى سذاجتها في كونها طيبة حد استغلال الآخرين لها و تضحياتها المفرطه،حد وضع حياتها رهنا للمقربين العابثين، حل الشتاء وقد ايقظها من غفوة، وقد احزنها كونها غريبة عاثرت اقدارا جارت عليها، عاثرت وسط محيط عاق، القى عليها أشد انواع العذاب والألم، ووضعها موضع الرفض والإذلال وجعلها تعيش أياما من التخلي والخيانه.
عاشت من الظلم اصعبه وأشده، عاشت أياما موجعة، مازالت اثارها في عينيها الغائرتين حتى اليوم، فقد انهكت قواها بين عمر من الألم، وحبيب هارب، ولكن لابأس، الشتاء قد عاد ليعيد احياء الذكريات، ليقول:" انت اقوى من قبل، لقد وجدت نفسك بين حطام الارواح المتراكمة، لا تحزني على ما فات، انت قويه حد سعيك للكمال والاتزان وسط الصدمات والشدائد!!"، وقفت خلف النافذه وقد زينت عينيها بجمال فصل الشتاء مبتسمه، وكان روحها تعدها بقدوم خير وفير تماما كالخير الذي يقبل مع المطر، كشتاء يعيد ترميم ما كسر طوال تلك السئين.
تعليقات
إرسال تعليق