غموض:
أخذت تفكر، وتترنح بين المنطق والسراب، جلست تحت ضوء القمر تفكر مليا بحب كبير ينبض بداخلها، و تفكر بالاسباب التي جعلتها تعيش مثل هذا الحب، والظروف التي أجبرتها على الصبر على هذا الواقع المرير الذي وضعها موضعا غير محمودا، ورغم قرارها بالمضي معه، ورغم أنها تسعى ليكون الوحيد في حياتها، الا أنها مخطئة، فمهما كانت الظروف قاسية، ليس لها الحق بعيش هذا الحب قبل ان تتحرر من الماضي، ومع ذلك فهي تدرك أن ادعاء المثالية لم يعد يليق بها، وأن تخليها عنه بحجة زواجه، ليس بقرار صائب او عادل، فهو تمسك بها بكل ما يرافقها من ظروف و احوال، وليس من المنصف ان تتخلى عنه، وخاصة بعد الحب الكبير الذي جمع بينهما، وبعد احساسها بكذبته. كما انه من الواجب عليها التماس العذر له، وان تتذكر انها احبته حبا صادقا، دون ان تحرر من قيودها، كما أرادت ان تبقى على حبه للأبد، فلم تظلم قلبا، قد يكون في حال كحالها من الاسى والالم؟
وأخيرا اتخذت قرارها بأن تتمسك بحبها كما فعل هو، علها تعيش بقربه الى الابد، علّها تحطم القيود، وعلّها تعرف ما يخفي عنها. وكعادتها ارسلت اشواقها اليه قائلة:
-كم اشتقت للحديث إليك!
-ليس بقدر شوقي لك، هل اراك اليوم؟
-لا اظن!
-متأكدة؟
-لم اشعر ان سؤالك هذا تهديدا لي؟
-أجيبي على سؤالي!
-نعم متأكدة!
وغاب من جديد، وصدق شعورها بأن سؤاله ما هو إلا تهديد لها بالرحيل، فقد سبق أن طلب منها أن لا تعصي له امرا، وان تفعل كل ما يريد، ولكنه غير مقتنع أن الظروف او المبادئ احيانا تفرض نفسها وتحول بينها وبين أوامره. غاب الحب وقد صعُبَ عليها تحمل ما يفعله بقلبها، فهو قاس جدا، قاس للحد الذي جعل قلبها يؤلمها، وجعلها لا تقوى على التنفس بلا حبه، لم كل هذه القسوة؟ لم كل هذا الغموض؟ ألا يعي أنه يظلم حبها الكبير؟ أم أنه يظن أنه سيجد حبا كحبها؟ يا ليته يعلم أن مثل هذا الحب لا يحصل مرتين في العمر..
وفي اليوم التالي اتصلت به وقالت بصوت حزين مترجف: "الا يكفيك كم مرة غبت عني! الم تتعب من لومي في كل مرة؟ ألا تخطئ ابدا؟ ام انك لم تحبني؟ هل خدعتني؟ هل حاولت استغلال حبي؟ إن أردت الفراق فليكن، ولتنتهي هذه اللعبة، فأنا لم اعد اقوى على تحمل تقلباتك المبهمة، و تصرفاتك الغير عادلة، وارجو ان تتذكر أنك قد تخليت عني مرارا، رغم أني أوشكت على ترك الكثير لأجلك... انا الضعيفة المترددة، اشعر بأنني احببتك عبثا، واني أخطأت حين ظننت انك تحبني.. و مع ضعفي وقلة حيلتي اقول لك انك لا تستحق حبي ايها القبطان! " ثم أنهت المكالمة قبل أن يتفوه بكلمة، وأقفلت هاتفها، خائفة من ردات فعله، و من كلماته القاسية.
خلدت للنوم باكية، والدموع تفيض من عينيها، والألم يحتد بقلبها، والاسى يحرق فؤادها، خلدت للنوم بائسة يائسة، تتمنى ان تموت قبل أن يحل الصباح، و قبل أن تعود للشوق الجارح، نامت وفي قلبها الف لوعة والف حلم وامنية، واذا بها تراه في أحلامها، يطمئن فؤادها، ويحتضن نيران اشواقها، والعشق ظاهر في عينيه. كم ودّت لو يكون الحلم حقيقة، وكم حلمت ان يدوم العناق، وكم ظنت ان النوم هو المهرب الأمثل من الاشواق والافكار، الا انها لم تعي بعد ان لا مهرب منه الا اليه، ولا راحة لها في غيابه، فهي غير مدركة معنى ان يسكن جوارحها، فحتى ان هامت روحها في الاحلام، ستهيم بالقرب منه، و إن خفق قلبها، خفق لأجله دون الخلق، فلا يهيئ اليها انها قد تنساه يوما، وتعرض عن حبه، فإن حبه هو الحياة، ووجودها بقربه هو المراد الوحيد..
تعليقات
إرسال تعليق