قضية من المجتمع:
وبعد تفكير طويل، قررت ان تُخبر زوجها بالحقيقة، انتظرت الوقت المناسب، وحدثته عن فراق قريب بينهما، رفض بشدة و أراد أن يعرف الأسباب التي جعلتها تتخذ طريقا مغايرا لقلبها. صارحته بأنها لا تستطيع أن تعيش معه على خدعة ولا تستطيع أن تهبه قلبها بعد الآن، وأخبرته تفاصيل رحلة عشقها، وكم حاولت تجنب مشاعرها والإعراض عن هذا الحب، الا انه و رغم تخلي ذلك القبطان عنها، كان عشقها اكبر من ان تحيد عنه. اتهمته بأنه السبب وراء كل ما حدث معهما. قساوته، واهماله المتكرر، والوحدة البائسة التي كانت تعيشها، والهيمنة على تصرفاتها واختياراتها، وقمعها في المنزل اسيرة بين الجدران، كلها أسباب كانت وراء الابتعاد عنه واختيار هذا الطريق الجديد، وفي النهاية قالت له:
-لقد كسرت كل جميل بيننا، واليوم تسألني لم كل هذا! اقول لك باختصار، اسأل قلبك عما فعلت بي، و لا تظن اني نادمة، فأنا لم أخطئ، إن طريقنا انتهى منذ مدّة، ولكنك لم تكن مقتنع بهذه النهاية.. البقاء وحيدة بلا حب، افضل عندي من العودة للعيش اسيرة لك، فلا تنتظر مني العدول عن قراري..
نظر اليها كأنه يبحث في عينيها عن تلك البريئة الهشة، التي كانت تطيعه وتعيش بين قضبان الإهمال اسيرة له، ولكنه أدرك أن لكل شيء نهاية، وأنه أخفق في التفريط في الإهمال والتفريط في الحرص عليها، الا ان الندم احيانا لا ينفع.. فقال لها بصوت مرتجف:
-لقد كنت اشعر بأن قلبك قد تحوّل عني، وكنت اعرف ان هذا اليوم قريب.. ولكنني أدرك أنني أخطأت بشدة، دعيني افكر قليلا بهذا بقرار الانفصال، فأنا أستحق ما حدث..
-لك أن تفكر، وارجو أن ننفصل بهدوء، و لا تظن أنني سأنسي ما خضت من حروب بسببك، ولن انسى المشاعر التي استهلكتها في الفترة الاخيرة، والتي انهكت قلبي للغاية، فلولا انانيتك لكنا اسعد زوجين، ولكنك دمرتني، وجعلتني ألجأ لقلب آخر، لم اعرف ان كان قد احبتي حقا، الا انني اليوم لا اريد اي نوع من انواع الحب، اريد أن اعيش بسلام انا وقلبي…
جلست على الكرسي، كأنّها تنهار من وأخذت بالبكاء، فأمسك بيديها المرتجفتين و ضمها اليه بشدة، بعناق من كلمات واعتذارات، وقال لها: "أتذكرين آخر عناق بيننا؟ أظن أنه كان منذ أكثر من عام! يبدو انني قد أخفقت حين أهملت مشاعرك، وتماديت في الإهمال والقسوة حتى كدت اخسرك.. كنت اعرف انك لا تريدين مني سوى القليل من الحب، ولكن كم انا اناني! اهوى الخروج والتسلية، أهوى قضاء الوقت مع الأصدقاء، واتغاضى عن كوني الصديق الوحيد لك، وعن كونك الحب الوحيد في قلبي…" ثم قبّل جبينها واخذ معطفه وخرج مسرعا والدموع تكاد تفرّ من عينيه.
خرجت لشرفتها، نظرت للسماء ولم تجد القمر، بل كانت السماء ممطرةٌ، فتحسست قطرات المطر، وحاولت ان تتنفس رائحته الجميلة. نزعت من جيبها حجرها، حجر القمر، أمعنت النظر ثم ضمته بين اصابعها، واغمضت عينيها وهي تبكي بحرقة، تكاد تسمع صراخ قلبها، تناشد الله وتسأله عن هول هذه الايام، فهل اخطأت حين خاضت معركة حب أعمى، فلم تبصر سبيل الصواب؟ أم ان قتل المشاعر البريئة اسوأ من ما اقترفت هي؟ هل عليها ان تكون نادمة؟ ام ان ما أقدمت عليه من فعلٍ يُغفر والحجة انه كان نتيجة القسوة الشديدة؟
دائما ما كانت المشاعر الهشة، و الإهمال والقسوة، قضايا تحاكى في المجتمع، ودائما ما نسج منها قصصا وعبرا، ولكن كيف تُقنع قلبك انه يخطئ، وكيف يمكنك الإعراض عن طريق مثل هذا الحب، وكم من قضيةٍ كانت ضحيتها امرأة صنّفت تصنيف المخادعة، بسبب الهروب من قسوة رجل بلا رحمة، فبعض القضايا تحتاج اعادة النظر فيها، فإن الجاني الحقيقي أحيانا قد يكون من قتل كل جميل، ومن فرض قوانيناً لحياةٍ لا مشاعر فيها، ومن عاش يبحث عن راحته دون راحة غيره، ومن رفض الانفصال مرارا، وتمسك بإمرأة لا تريده، بل ولا يريد اسعادها، كل ما يريده هو فرض سيطرته عليها. في النهاية نعيش في مجتمع يموت الحب فيه بعد الزواج، و يظن الرجل أنه امتلك مشاعر زوجته، فلا داعي لاظهار الاهتمام، و قضاء أي وقتٍ معها، فهي و رغم كل الظروف ستبقى ملكا له. يا لأنانيتك أيها الرجل، أنانيةٌ مفرطة، غير مدركٍ ان المشاعر تعيش مع من يحييها، ولا يملكها سوى من يستحقها. لا يحق لأحدٍ خداع احد، او قمع احاسيسه، او اهماله كي لا تكون النتيجة مؤلمة غير مرضية لأي طرف.
تعليقات
إرسال تعليق