طيف في المنام:
زارها في المنام طيفه، كالواقع يتكلم، يدّعي الانشغال، وهو لعينيها تواق، جاءها يلقي السلام، لحب بات معذب، رأته في الاحلام محتارا، يحيط به الندم، غير مبديّ تعاسته، يخشى الفراق، متكبّر، مختال في قلبه نارٌ توقد، يعز عليه الاعتذار، والروح في أعماقه تتمزّق، لا يرأف والجوى في اضلعه محرق، والروح كروحه تترقب، طال البعاد، والوصال مراد، مهما طال الزمان وجارت الاقدار.
اهو حلم عابر، ام انه حقا مشتاق؟ تعيش في الاحلام تنتظر، و تتوهم رسائل العدم، وتظن انه لقربها راغب، اتمضي في طريق غير الطريق، دون حب في القلب يفطِر؟ اتترك عشقا كان لها حياة، وتعود حيث كانت، وتعود للبداية، و يعود غريبا كما كان، ام انه للروح ملازم، فلا تنسى حبه بل تدعي النكران.
جاءها طيفه ككل مرة حين اتخذت الرحيل قرارا، كانت تلملم جراحها كي لا تترك آثارا، تدله اليها بعد ذهابها، فلا يكون لعينيها مدرك، ولا يعرف لها سبيلا، فإذ بها تراه كملاك بائس يجلس وحيدا، قلقا غير مرتاحا، يخوض في اعماقه معاركا، لا يسمع صداها سواه، اهو للعهد حافظ ؟ و يخاف الفراق و يتمنى الوصال؟ ام ان شيئا آخر يشغل باله.
وفي المنام لم يكن الامر سهلا، فلم تبدي له بشوق في الفؤاد باكي، ولم تشهد الاحلام مشاعرا او احضانا، وغشي على المنام غصة في الوجدان، من كلام لا يصّح بعده عتاب، و كان التجاهل وحده في المنام بطلا، و الروح له تصرخ باكية علّه يبادر، وهو لصوتها غير سامع.
كم ارادت ان تفقل ابواب العشق، فلا تنتظر على اعتابها، ولا تعود لحبه، ولكن يبدو ان ابوابه لن تقفل ابدا، وسيبقى عشقه يلوح في القلب مسكنا، و يبقى التمني في ان تعيده ساعة الشوق الى دربها، هو كل ما تفعل. وفي النهاية ستبدأ من جديد حياتها، وان كانت حياة فارغة، فارغة من السعادة، ففي كل مرة تهرب وتحاول النسيان والانشغال، تجد له في الروح منزلا ينتمي اليه، فلا تتخطى حبه، ولا تعيش دون ذكراه.
ربما تكمن السعادة في ان يلازم قلبها، و تشعر بوجوده رغم الفراق، و ان تعيش في الخيال حبها، وتكون في الواقع بين مسؤوليات و طموحات، عسى ان يكون حبه دافع لها لتكون افضل، وعسى أن تجمع الأقدار بينها وبينه، وإن كان اللقاء في زمان غير هذا الزمان.
لم يعد هناك كلام يصف كل ما مرّ عليهما، ولكن الحب القدري الغير مشروط، ليس بتلك السهولة التي نظنها، نعيش حياتنا على امل عيش مثل هذا الحب، وحين يمرّ بنا، نصطدم بواقع مرير، غير منصف، فترى الاقدار ترسم لك طريقا مغايرا، ثم تكتب لك في الخيال حقيقة، لتعيش الخيال واقعا، والواقع خيالا، وتبقى في دوامة العشق تائها، حتى يحين موعد يحدده الاقدار، ويكون لك حينها موعدا مع السعادة، ولكن الى متى نصبر على دهر، قد جار بين المحبين لوعة، والى اي درب سيأخذهما ذلك المقدر التعب، واي سعادة بعد كل هذا العناء تكون عوضا عن مأساة في الفؤاد تفجع، ففي كل مرة يظنان ان الفراق بات بعيدا، يكون لهما خلف الابواب منتظرا، فهل يستحق موقفا، مهما عظمت اسبابه، كل هذه الفرقة والاشجان؟ وهل في العمر متسعا من الوقت كي يعيشا كل تلك الصراعات، دون هناء او صفاء. و هل يعود لها حبيبا ابديا، ان مدت له يد الحب؟ وهل يُبقي العهود، ان حدثته عن اشواق تلوح في الفؤاد جراحا؟ ام انه اختار لنفسه طريقا دون حبها؟ ام انه منذ البداية لم يختارها؟
تعليقات
إرسال تعليق