خيبة:
انها الساعة الخامسة مساءا من يوم السبت، وقد مر على الظهر ساعات عديدة، وقد انتظرت كثيرا ان يتصل بها، وان يلح على لقائها، الا انه قد تأخر جدا حتى فقدت الامل من حديثه، و ظنت انه لا يذكرها او لا يحبها، ولكنها ما لبثت ان استلمت رسالة منه، يقول فيها:
-اشتقت اليك!
- وانا ايضا!
-انا قريب من منزلك.
-جيد.
-جيد؟ أهذا كل شيء؟ لقد ظننت انك تريدين رؤيتي.. اذاً، هل نلتقي غدا؟
- كنت انتظر رؤيتك اليوم.
-اليوم؟!
-أقصد انتظرتك اليوم ظهرا.
كان حديثا قصيرا مختصرا، وبعدها عاد الصمت يخيّم على علاقتهما. امسكت هاتفها لتعيد قراءة كلماته، علّها تعينها على هجره، فتبحث في احرفه عن حبّ قد طواه وتناساه. وبعد مرور القليل من الوقت، وبينما هي تائهة بين الرسائل، لفت نظرها شيئا غريبا، و هو تعجبّه من قولها انها انتظرته اليوم، وكأنه قد نسي انه على موعدٍ معها، أهذا هو الحب الذي يدعيه؟ أيحبها وينسى موعده؟
خيبة كبيرة، وأحكام مسبقة عادت تلوح في خاطرها، وكأنها بدأت تحكم عليه بالخداع او المراوغة، كم تود لو تراه غدا، ولكنّ شيئا عزيزا في كبريائها يمنعها، فمن عدل عن لقياها او نسي موعدها، لا يستحق فرصة لقاء جديدة. اخذت الافكار حيزا واحدا في ذهنها وهو انه لا يحدثها حبا بها بل لشيء في نفسه، وانه افتعل سببا لعدم القدوم في الوقت المحدد، ولكن ما الذي جعله يطلب ان يراها من جديد بعد الاعراض عن الاتصال بها أياما معدودة؟ الم يشعر بالشوق اليها كل تلك الايام التي مرت دون مراسلتها او سماع صوتها؟ الم يذكرها سوى امام منزلها؟ اهذا ما يصفه بالحب الكبير؟
الخيبات متتالية، فبعد ان تخلصت من ترددها وتشتتها، وبعد ان اختارت حبه، وبعد صبر طويل على تناقضاتها، قد جعل الخوف يعود الى قلبها تدريجيا، ففي كل فراق يزداد خوفها منه، ويدخل الشك الى قلبها، ورغم انه يعدها دائما بالإخلاص والبقاء ولكنها لم تعد تصدق ما يقول، فقد كسر شيئا فيها، و قد هانت عليه تلك الروح التي تهيم معه اينما حلّ، تحرسه وتراقبه وتحبه.
وبعد ان كانت تستعد لكي تنعم بقربه، اصبحت الان في ريب من تصرفاته، تعيش بين الظنون والشكوك، تحاول ان تجد جوابا لأسئلتها الكثيرة. كم تتمنى ان تلقاه، وأن تمسك يديه، وتشرب قهوتها لأول مرة معه، وتكتب قصة ذكراها الاولى مع عينيه الجميلتين، ذكرى جميلة تساعدها على الاستمرار والعيش الى ان يحين اوان اللقاء الثاني، ولكنها قبل ان تلقاه تريد التأكد من حبه، فإن كان يريد البقاء في دوامة من الانفصالات والغموض المتكرر، فلا داعي لهذا اللقاء، فهي تريده معها دائما وتريده حبيبا ابديا، يصرّ على حبّها مهما كلفه الامر، وليس حبيبا متأرجحا بين حبه الكبير و غضبه الاكبر، فدائما ما يفلت يدها بسبب حدة انفعالاته وعناده المفرط.
لقد اتخذت قرارا مغايرا، فقد قررت ان تختبر مدى صبره عليها، فهي تريد منه ان يثبت لها صدق مشاعره، فإن صبُر على ما تريد، فهو يحبها، وان عزم الرحيل، فظنونها حقيقة، وحبه مخادع. ان المحب لا يكره ابدا، فإن كان حبه مجرد وهمٍ حملها على العيش فيه، فهذا الوهم سيكون كالحلم الجميل الذي أيقظها منه القدر على غفلة، قبل ان تنعم بلحظات عشق انتظرتها طويلا، عشق كبير غير مألوف، عشق لم يعرفه احد سوى قلبها، وقلبه ان كان صادقا.
وها هي تكتب اليه رسالة فيها: " كم وددت أن اراك البارحة واليوم وغدا، ولكن يبدو انك نسيت موعدنا، او انّك كابرتَ على اشواقك نتيجة عنادك، و حرمت عيني من رؤياك، وزدت في قلبي شجنا و شوقا، ومع هذا فأنا لن استطيع ان القاك غدا، وعندي من الأسباب ما يكفي.. و كم أتمنى ان يكون لقاءنا قريب، ولكنني خائفة منك، فبحق العشق الكبير الذي يجمع قلبينا ان يكون غيابك هذا هو الغياب الاخير عني، ليعود الامان الى نفسي، و أنعم بصفو حبك، واعلم انك ان عزمت الفراق مرة اخرى غضبا او دون سبب مقنعٍ، فسوف يكون لي غياب اخيرٌ دون عودة، فأنا لم أعد اقوى على قرب مريب، وبُعدٍ مريرٍ، ولم أعد اقوى على العيش بقربك، وفي داخلي خوف مترقب للحظات الغياب والفراق باستمرارٍ، ولم يعد لي طاقة للبعد عنك والعيش على اوتار الشوق واللوعة.. أنا لا اريد سوى قربك، ولكني في حيرة لما تريد انت، فخذ قرارك، فإما البقاء واللقاء الابدي أو الفراق الاخير".
تعليقات
إرسال تعليق