تواصل مع عالم مغاير:
تبدلت الأيام و تغيرت، و باتت تسير في طريق غير الطريق، فقد شاءت الاقدار ان تترك مكان سكنها الذي اعتادت عليه، و السكن بآخر، هل هذه الانتقالة التي يتحدثون عنها؟ الانتقالة التي يتبعها بدايات جميلة؟ ربما صدفة ما يحدث، او علّها تكون ترتيبات كونية ينتج عنها كل خير و وفرة. تجدها قد عدلت عن الحب، وصرفت النظر عن عودت حبيبها اليها، فلم تعد تنتظر رجوعه، ولم تعد تشتاقه كما اشتاقته سابقا، لا تريده، لا تتوق لرؤيته، تشعر وكأنها تود الهروب من جديد، إلا انها صامدة، تنتظر ما ستقدم عليه الاقدار فحسب.
الكثير من الارقام المتكررة و الريش الذي تراه امامها ويظهر في خطواتها، ريش صغير متغاير الوانه، ريشة بنية واخرى رمادية و واحدة غريبة منتصفة بين اسود وابيض، والكثير من الريش الابيض الناصع. كانت تكّذب ما ترى من علامات، وتظنها بفعل الأوهام، بينما كان الريش يظهر دائما وحيثما تكون، وكانت الارقام تتكرر في كل يوم وفي اي وقت.
و في يوم تبدل الريش من صغير الى كبير، فقد رأت ريشة بيضاء طويلة الى حد ما، و كادت ان تدوسها، الا انها لاحظتها فمشت بعيدا عنها، لترى اخرى مماثلة في بعد حوالي الساعة تقريبا في مكان مختلف، فاستوقفها ذلك لتتساءل:"هل هذه حقا إشارة من الملائكة؟ لقد كثرت العلامات ولكنها امور لا استطيع تصديقها!!" ثم مضت محاولة نسيان ما يحدث، الا ان امورا تتفاوت في ذاكرتها كالايام القليلة التي مرت عليها، والتي جمعت فيها الحدس العالي، و التوقعات التي تتحقق مباشرة، و الروحانيات العميقة، والرؤى الغريبة في الاحلام، وتقارب الحيوانات اليها، و الاحساس بهالة المحيطين، نكرت كل ذلك و مضت محاولة الهروب من واقع لطالما انتظرت ان تعيشه، الا انها ابت تصديقه حين اصبح حقا.
وصلت الى وجهتها، و قد كان العديد من الأقارب مجتمعين حولها، يحدثونها وهي شاردة، تحاول التركيز، الا انها مفتقدة للقدرة على سماع و فهم ما يقال، تتصنع الانتباه وهي مشوشة، ربما هي طاقة من توأمها، طاقة قوية تؤثر عليها، هذا ما راود خاطرها لدقائق معدودة قبل ان يحدث ما هو اشبه بالخيال.
يتناقش الحاضرون بموضوع مهم كما بدا لها، فانحنت برأسها تحاول استجماع تركيزها المشوش، فإذا بصوت مريب يهمس في اذنها اليسرى، يهمس ما هو غير مألوف، همسات تكاد تنطق معان، وانفاس في مسمعها متفاوتة، تتداخل العبارات الغريبة، وكأنها رسائل من عالم مغاير، حبست انفاسها خائفة، واضعة يدها اليسرى على اذنها، وقد خيم على حواسها الترقب، وغشي على ملامحها الحيرة و القلق، فنظرت حولها مصدومة، وقد فاض الدمع هلعا، وصرخا: "شخص ما يحدثني! احدهم يخاطبني في اذني اليسرى! يقول كلمات ليست بمعلومة، غير مفهومة، لم يكن خيالا! لم يكن حلما او وهما! لقد كان واقعا! "، ثم عاودت النظر حولها لترى ريشة بيضاء صغيرة، او كما وصفتها "ريشة ملائكية" ناصعة، حطت على يدها المرتجفة، وكأنها تقول:" اطمئني، انه ليس بفعل شيطاني كما ظننت، انما نحن هنا لأجلك".
سكن قلبها و هدأ روعها بعد ان رأت الريشة البيضاء، رغم انها لم تود تصديق انها ريشة تظهر بسبب وجود الملائكة، الا ان تصديق الامر هوّن عليها تقبل الحادثة المرعبة التي اخذت حيزا كبيرا في تفكيرها… عادت بذمراها لاسبوع قبل الحادثة، حيث ذهبت لترى شقة لتنتقل اليها، فوجدت هناك ريشة يبدو وكأن احد قد داس عليها، ليظهر لاحقا ان المنزل لم يكن خيرا لها، فاستنتجت حينها، ان الملائكة تحاول ارشادها الى امر ما، و حمايتها. وتبقى التساؤلات في نفسها كالآتي: "هل هناك من يتواصل معي من ابعاد اخرى حقا؟ ام انه توامي ولم اعرف صوته؟ ام ان هناك امرا بداخلي يدعو للقلق! هل انا على ما يرام؟ هل انا بخير؟ هل اضحيت غريبة الاطوار؟ هل عليّ تقبل التغيرات التي طرأت علي؟ هل أصدق ما وصلت اليه من استنتاجات وتحليلات؟ نعم، يجب علي تصديق الامر وتخطيه كي لا اصاب بالجنون، فإن أحدا لن يفهمني سوى من مر بتجربة مماثلة!"...
تعليقات
إرسال تعليق